فصل: الصاحب جمال الدين عظيم الدولة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


ثم في يوم الاثنين خامس شهر ربيع الأول أبطل السلطان الخدمة من القصر وجلس بالحوش السلطاني وجمع القضاة والأعيان وناظر دار الضرب وسبكت الفضة المضروبة في كل دولة وقد حررنا وزن ضرب كل دولة وما نقص منها في تاريخنا ‏"‏ حوادث الدهور ‏"‏ انتهى‏.‏

وانفض الجمع وقد نودي في يومه بشوارع القاهرة بأن أحدًا لا يتعامل بالفضة المضروبة بدمشق في هذه الدولة فشق ذلك على الناس قاطبة لكثرة معاملاتهم بهذه الفضة التي داخلها الغش ولهجت العامة في الحال فيما بينهم‏:‏ ‏"‏ السلطان من عكسه أبطل نصفه ‏"‏ و ‏"‏ إذا كان نصفك إينالي لا تقف على دكاني ‏"‏ وأشياء من هذه المهملات التي لا وزن لها ولا قافية وانطلقت الألسن بالوقيعة في السلطان‏.‏

هذا و

 الصاحب جمال الدين عظيم الدولة

بلغ السلطان من الغد أن المماليك تريد إثارة فتنة أخرى بسبب ذلك فخشي السلطان من مساعدة العوام لهم فأبطل ما كان نودي به‏.‏

قلت‏:‏ والمصلحة ما كان فعله السلطان غير أنك تعلم أن السواد الأعظم من العامة ليس لهم فوق ولا خبرة بعواقب الأمور فإنهم احتاجوا بعد ذلك إلى أن سألوا في إبطال ذلك فلم يسمح لهم السلطان به إلا بعد أمور وأشهر حسبما يأتي ذكره وهو معدوز في ذلك‏.‏

وفي يوم الخميس خامس عشر شهر ربيع الأول المذكور من سنة إحدى وستين عمل السلطان المولد النبوي بالحوش من قلعة الجبل على العادة في كل سنة غير أنه فرق الشقق الحرير على القراء والمداح كل شقة طولها خمسة أذرع إلى ثلاثة أذرع ونصف ولم يفرق على أحد شقة كاملة إلا نادرًا‏.‏

قلت‏:‏ كل ذلك من سوء تدبر أرباب وظائفه وحواشيه وإلا فما هو هذا النزر اليسير حتى يشح به مثل هذا الملك الجليل‏!‏ ونفرض أنه عزم على ذلك فكان يمكنهم الكلام معه في ذلك فإن عجزوا عن مدافغته كان أحد من أولاده وخواصه يقوم بهذا الأمر عنه من ماله وليس في ذلك كبير أمر‏.‏

وفي يوم الأحد ثامن عشر شهر ربيع الأول المذكور وصل إلى القاهرة سنقر الأشرفي الدوادار المعروف بقرق شبق وكان توجه قبل تاريخه إلى البلاد الحلبية لكشف أخبار ابن قرمان وتجهيز العساكر الشامية والحلبية فوقع له هناك أمور وحوادث ذكرناها فى غير هذا المحل من قتل جماعة من تركمان ابن قرمان وغير ذلك‏.‏

وكان سنقر المذكور من مساوىء الدهر وعنده طيش وخفة مع ظلم وجبروت وما سيأتي من أخباره عند عمارته لمراكب الغزاة فأعظم‏.‏

ثم في يوم الأحد هذا نودي بالقاهرة من قبل السلطان بأن يكون سعر الدرهم من الفضة الشامية المقدم ذكرها التي داخلها الغش ثمانية عشر درهمًا نقرة وما عداها من الفضة المؤيدية والأشرفيه والظاهرية تكون على حالها بأربعة وعشرين درهمًا فقامت قيامة العامة من ذلك خوفًا من الخساره وأكثروا من الوقيعة بالسلطان وأرباب دولته ولا سيما في الصاحب جمال الدين ناظر الجيش والخاص فإنهم نسبوا هذا كله إليه رحمه الله‏.‏

وكان السلطان خلع على ولده المقام الشهابي أحمد باستقراره أمير حاج المحمل فلما نزل ابن السلطان وعليه الخلعة من القلعة إلى داره وهي قصر بكتمر الساقي تجاه الكبش وبين يديه جميع أعيان الدولة استغاثت إليه العامة بلسان واحد وقالوا‏:‏ ‏"‏ نخسر بهذه المناداة ثلث أموالنا ‏"‏ وسألوه في إبطال ذلك فوعدهم بإبطاله وأرسل إلى والده يسأله في إبطال ما نودي به فأجابه السلطان ونودي في الحال مناداة ثانية بإبطال ما نودي به‏.‏

قلت‏:‏ وهذه فعلة العامة الثانية من طلبهم عدم المناداة بإبطال هذه الفضة المغشوشة خوفًا من الخسارة فاحتاجوا بعد ذلك إلى المناداة وخسروا أكثر مما كانوا يخسرونه عندما غلت إلاسعار بسبب هذه الفضة ووصل صرف الدينار إلى إربعمائة درهم كما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

وفي يوم السبت أول شهر ربيع الآخر نودي في المماليك السلطانية المعينين إلى تجريدة البلاد الشامية لقتال ابن قرمان قبل تاريخه بأن النفقة فيهم في يوم الخميس إلاتي‏.‏

فلما كان يوم الخميس سادس ربيع الآخر المذكور جلس السلطان بالحوش السلطاني وشرع في تفرقة النفقة على المماليك المذكورين لكل واحد منهم مائة دينار وسعر الذهب يوم ذاك أربعمائة درهم الدينار فوصل لكل واحد منهم أعني المماليك المعينين أربدون ألفًا وهذا شيء لم نسمع بمثله وأكثر ما فرق الملوك السالفة في معنى النفقة مائة دينار وسعر الدينار في ذلك الوقت ما بين مائتين وعشرين درهمًا الدينار إلى مائتين وثمانين الدينار لا بهذا السعر الزائد فشكر كل أحد السلطان على هذه الفعلة‏.‏

وكان عدة من أخذ النفقة من المماليك المذكورين أربعمائة مملوك وثلاثة مماليك‏.‏

ثم أرسل السلطان بالنفقة إلى الأمراء المجردين فحمل إلى الأمير خشقدم الناصري المؤيدي أمير سلاح وهو مقدم العسكر يوم ذاك بأربعة إلاف دينار ثم أرسل لكل من أمراء الألوف لكل واحد بثلاثة إلاف دينار وهم‏:‏ قرقماس الأشرفي رأس نوبة النوب وجانبك القرماني الظاهري حاجب الحجاب ويونس العلائي الناصري ثم حمل لكل من أمراء الطبلخانات بخمسمائة دينار ولكل أمير عشرة مائتي دينار‏.‏

يأتي ذكر أسماء الجميع عند خروجهم من الديار المصرية إلى جهة ابن قرمان‏.‏

ثم في يوم الخميس العشرين من شهر ربيع الآخر المذكور عزل السلطان علي بن إسكندر عن ولاية القاهرة وأعاد خيربك القصروي لولاية القاهرة كما كان أولًا‏.‏

ثم في يوم الخميس خامس جمادى الأولى برز الأمير خشقدم أمير سلاح ومقدم العسكر بمن معه من الأمراء والعساكر من القاهرة إلى الريدانية خارج القاهرة والأمراء هم‏:‏ الأربعة من مقدمي الألوف المقدم ذكرهم‏.‏

والطبلخانات‏:‏ جانبك الناصري المرتد وخيربك الأشقر المؤيدي الأمير آخور الثاني وبربك البجمقدار الظاهري رأس نوبة‏.‏

ومن أمراء العشرا ت ستة أمراء وهم‏:‏ تمرباي من حمزة الناصري المعروف بططر وقانصوه المحمدي الأشرفي وقلمطاي الإسحاقي الأشرفي رأس نوبة وقانم طاز الأشرفي رأس نوبة وجكم النوري المؤيدي رأس نوبة وجانم المؤيدي المعروف بحرامي شكل‏.‏

وقد تقدم ذكر عدة المماليك السلطانية فيما تقدم‏.‏

وأقاموا بالريدانية إلى ليلة الاثنين تاسعه فاستقلوا فيه بالمسير من الريدانية إلى جهة البلاد الشامية‏.‏

ثم في يوم الخميس سادس عشرين جمادى الأولى المذكورة سافر الأمير نوكار الزردكاش ومعه عدة من الرماة والنفطية وإلات الحصار وهو مريض ورسم له أن يأخذ من قلعة دمشق ما يحتاج إليه أيضًا من أنواع إلالات وغيرها للحصار ويلحق العساكر المتوجهة لقتال ابن قرمان‏.‏

ثم في يوم الخميس عاشر جمادى الآخرة استقر الأمير أسندمر الجقمقي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة أمير المماليك السلطانية المجاورين بمكة المشرفة عوضًا عن الأمير بيبرس الأشرفي خال الملك العزيز يوسف ورسم بمجيء بيبرس المذكورعند توجه أسندمر الجقمقي في موسم الحج‏.‏

ثم في يوم الجمعة ثالث شهر رجب من سنة إحدى وستين المذكورة ورد الخبر على السلطان بموت الأمير نوكار الزردكاش بمدينة غزة فأنعم السلطان بإقطاعه وهو إمرة عشرة ووظيفة الزردكاشية على سنقر الأشرفي الدوادار المعروف بقرق شبق‏.‏

وفي يوم الخميس تاسع رجب المذكور وقعت حادثة غريبة‏:‏ وهي أن جماعة من العربان قطاع الطريق وكانوا نحو خمسة عشر رجلًا أو أمثل جاؤوا من جهة الشرقية حتى وصلوا إلى قرب باب الوزير ثم عادوا من حيث جاؤوا وصاروا في عودهم يسلبون من وقعوا به من الناس فعروا جماعة كبيرة من بين فقهاء وأعيان وغيرهم وكان الوقت بعد أذان العصر بدرجات وقت حضور الخوانق‏.‏

وفي يوم الأحد ثاني عشره خلع السلطان على السيد الشريف حسام الدين محمد بن حريز باستقراره قاضي قضاة المالكية بعد موت القاضي ولي الدين السنباطي‏.‏

وفي يوم الثلاثاء رابع عشر رجب المذكور ورد الخبر على السلطان بوصول العساكر المتوجهة لقتال ابن قرمان إلى حلب وأنهم اجتمعوا فى حلب بالأمير قاني باي الحمزاوي نائب الشام هناك لأن قاني باي المذكور كان خرج من دمشق قبل وصول العسكر إليها بثلاثة أيام فتكلم الناس بأنه ظن أن سفر العساكر ما هو إلا بسبب القبض عليه فى الباطن والتوجه لابن قرمان في الظاهر‏.‏

قلت‏:‏ وللقائل بهذا القول عذر بين وهو أن قاني باي المذكور من يوم تسلطن الملك الأشرف إينال هذا وهو نائب حلب لم يحضر إلى الديار المصرية ولا داس بساط السلطان غير أنه يمتثل أوامر السلطان ومراسيمه حيث كان أولًا بحلب ثم بعد انتقاله إلى نيابة دمشق فعلم بذلك كل أحد أن قاني باي المذكور يتخوف من السلطان ولايحضر إلى الديار المصرية ومتى طلبه السلطان أظهر العصيان‏.‏

وفطن الملك الأشرف إينال لذلك فلم يطلبه البتة وصار كل واحد منهما يعلم ما في ضمير الآخر في الباطن ويظهر خلاف ذلك‏:‏ السلطان يخفي ذلك لتسكين الفتنة وقاني باي لما هو فيه من النعمة بولاية نيابة دمشق وكل منهما يترقب موت الآخر فمات قاني باي قبل حسبما يأتي ذكره في الوفيات بعد فراغ الترجدة‏.‏

وقد خرجنا عن المقصود ولنعد إلى ما نحن بصدده فنقول‏:‏ وأخبر المخبر أن العساكر اجتمعوا بالأمير قاني باي الحمزاوي بحلب وأنه اجتمع رأي الجميع على السير من حلب إلى جهة ابن قرمان في يوم السبت سادس عشرين جمادى الآخرة فسر السلطان بذلك كون الذي أشيع عن قاني باي الحمزاوي من العصيان ليس بصحيح بل هو قائم بالمهم السلطاني أحسن قيام‏.‏

وفي يوم الجمعة سابع عشره سافر الأمير جانبك الظاهري نائب جدة إلى جهة جدة على عادته في كل سنة وسافر معه خلائق من الناس صفة الرجبية‏.‏

وفي يوم السبت ثامن عشر رجب المذكور ورد الخبر على السلطان بأنه كان بين حسن الطويل بن علي بك بن قرايلك صاحب آمد وبين عساكر جهان شاه بن قرا يوسف صاحب العراقين عراق العرب وعراق العجم وقعة هائلة انكسر فيها عسكر جهان شاه وانتصر حسن المذكور وأن حسن قتل من أعيان عساكر جهان شاه جماعة مثل الأمير رستم وابن طرخان وعربشاه وغيرهم فسر السلطان بذلك غاية السرور كون أن حسنًا المذكور ينتمي إليه ويظهر له الصداقة‏.‏

ثم في يوم الاثنين رابع شعبان وصل الخبر من الأمير خشقدم أمير سلاح ومن رفقته النواب بالبلاد الشامية بأنهم وصلوا إلى بلاد ابن قرمان وملكوا قلعة دوالي ونهبوها وأخربوها وأنهم جهزوا الأمير بردبك البجمقدار رأس نوبة ومعه عدة من المماليك السلطانية والأمراء بالبلاد الشامية إلى جهة من جهات بلاد ابن قرمان فصدفوا في مسيرهم عسكرًا من أصحاب ابن قرمان فواقعوهم وهزموهم وأنه قتل من المماليك السلطانية أربعة في غير المصاف بل من الذين صدفوهم في أثناء الطريق‏.‏

وفي يوم السبت أول شهر رمضان سافرت الأمراء المعينون إلى الجرون ببر التركية لأجل قطع إلاخشاب وسافروا من بولاق ومقدم العسكر الأمير يشبك الفقيه المؤيدي أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة ومعه الأمير أزبك المؤيدي أحد أمراء العشرات والأمير نوروز إلاعمش الأشرفي وجماعة أخر من الخاصكية‏.‏

ثم في يوم الأحد تاسع شهررمضان وصل نجاب من خيربك نائب غزة يخبر بمجيء سودون القصروي الدوادار بكتاب مقدمي العساكر الأمير خشقدم المؤيدي أمير سلاح وغيره من الأمراء‏.‏

وحضر سودون القصروي المذكور من الغد وأخبر السلطان بأن العساكر المتوجهة إلى بلاد ابن قرمان قصدت العود إلى جهة حلب بعد أن أخذوا أربع قلاع من بلاد ابن قرمان وأخربوا غالب قرى ممالكه وأحرقوا بلاط وسبوا ونهبوا وأمعنوا في ذلك حتى إنهم أحرقوا عدة مدارس وجوامع وذلك من أفعال أوباش العسكر وأنهم لم يتعرضوا إلى مدينة قونية ولا مدينة قيصرية لنفود زادهم ولضجر العسكر من طول مدتهم بتلك البلاد مع غلو إلاسعار في المأكول وغيره من سائر الأشياء ولولا هذا لاستولوا على غالب بلاد ابن قرمان وأن ابن قرمان لم يقاتل العسكر السلطاني بل إنه انحاز إلى جهة منيعة من جهاته وتحضن بها هو وأعيان دولته وترك ما سوى ذلك من المتاع والمواشي وغيرها مأكلة لمن يأكله فحصل له بما اخذ له وهن عظيم في مملكته فدقت البشائر لهذا الجبر بالقاهرة أيامًا ورسم السلطان من وقته بعود العسكر المذكور إلى الديار المصرية وخرخ النجاب بهذا الأمر‏.‏

ثم في يوم الأحد سادس عشر شهر رمضان المذكور ركب المقام الشهابي أحمد ابن السلطان من داره فصر بكتمر تجاه الكبش النجب كما هي عادة أمراء الحج في الركوب إلى المسايرة وخرج من الصليبة وشق الرميله وبين يديه هجانة السلطان أمراء العرب بإلاكوار الذهب والكنابيش الزركش المغشاة بإلاطلس إلاصفر وركب معه جماعة من الأمراء غير من يسافر معه مثل‏:‏ الأمير بردبك الدوادار الثاني وسودون الإينالي المؤيدي قراقاش ثاني رأس نوبة وجماعة اخر ولم يركب معه أحد من أمراء الألوف ولا أعيان مباشري الدولة حتى ولا كاتب السر القاضي محمب الدين بن الأشقر وهو ممن يسافر في هذه السنة إلى الحج‏.‏

وسار ابن السلطان في موكبه المذكور من تحت القلعة إلى جهة خليج الزعفران خارج القاهرة ووصل هناك قبيل المغرب وأفطر هناك ثم عاد بعد صلاة العشاء وشق الرميلة ثانيًا في عوده في زي بهيج إلى الغاية‏.‏

ثم في يوم الجمعة ثاني عشر شوال وصلت إلى القاهرة رمة الأمير جانبك القرماني الظاهري حاجب الحجاب وقد مات بالقرب من منزلة الصالحية في عوده من تجريدة ابن قرمان‏.‏

ثم عقب الخبر بموت جماعة كبيرة أيضًا من العسكر المذكور من مرض فشا فيهم من مدينة الرملة كالوباء مات منه خلائق بمرض واحد ولم يعلم أحد ما سبب هذا العارض‏.‏

ثم في يوم السبت ثالث عشره ورد الخبر بموت الأمير جكم النوري المؤيدي المعروف بقلقسيز أحد أمراء العشرات ورأس نوبة‏.‏

ثم في يوم الاثنين خامس عشر شوال المذكور وصلت العساكر المجردة لبلاد ابن قرمان على أسوأ حال من الضعف الذي حصل لهم في أثناء الطريق‏.‏

وطلع مقدم العسكر الأمير خشقدم المؤيدي أمير سلاح ورفقته من الأمراء المقدم ذكرهم عند توجههم والمماليك السلطانية إلى القلعة وقبل الأرض فأكرمه السلطان وخلع عليه وعلى رفقته فنزل الأمير خشقدم إلى داره وبين يديه أعيان الدولة وقد نقص من رفقته اثنان من المقدمين‏:‏ جاني بك القرماني المتوفى ويونس العلائي لضعف بدنه وقد دخل إلى القاهرة في محفة‏.‏

ثم فى يوم الاثنين هذا أنعم السلطان على الأمير بايزيد التمربغاوي أحد أمراء الطبلخانات بإمرة مائة وتقدمة ألف عوضًا عن جانبك القرماني المقدم ذكره وأنعم بطبلخاناه بايزيد على الأمير برسباي الإينالي المؤيدي‏.‏

ثم في يوم الخميس ثامن عشر شوال المذكور خرج المقام الشهابي أحمد ابن السلطان وهو يومئذ أمير حاج المحمل بالمحمل من القاهرة إلى بركة الحاج دفعة واحدة وقد صار ذلك عادة وترك النزول بالمحل فى الريدانية خارج القاهرة وسافرت معه أمه خوند الكبرى زينب بنت البدري حسن بن خاص بك وإخوته الجميع الذكور والآناث وإلاخوة الجميع الثلاثة‏:‏ ذكر واحد وهو أصغر منه يسمى محمدًا مراهق واخته الكبرى زوجة الأمير بردبك الدوادار الثاني والصغرى وهي زوجة الأمير يونس الدوادار الكبير‏.‏

ورحل من البركة في ليلة الاثنين ثاني عشرين شوال بعد أن رحل قبله أسندمر الجقمقي رأس المجاورين وأمير الركب الأول يشبك الأشقر الأشرفي وقد استقر أمير عشرة قبل تاريخه‏.‏

ووصل من الغد في يوم الثلاثاء الأمير جانبك الظاهري نائب جدة من جدة وقبل الأرض وحضر معه من الحجاز الأمير زين الدين الأستادار وكان مقيمًا بمكة‏.‏

وفي يوم الخميس خامس عشرين شوال المذكور أنعم السلطان بإقطاع جكم النوري المؤيدي على الأمير جانبك الإسماعيلي المؤيدي المعروف بكوهية وعلى الأمير يشبك الظاهري نصلين بالسوية لكل واحد منهما إمرة عشرة‏.‏

ثم في يوم الاثنين تاسع عشرينه استقر الأمير برسباي البجاسي أحد مقدمي الألوف حاجب الحجاب بالديار المصرية بعد وفاة الأمير جانبك القرماني‏.‏

ثم في يوم السبت خامس عشرين ذي القعدة ثارت المماليك الأجلاب بالأطباق من قلعة الجبل ومنعوا الأمراء ومباشري الدولة من النزول من قلعة الجبل فكلموهم بسبب ذلك فقالوا‏:‏ ‏"‏ نريد أن تكون تفرقة إلاضحية لكل واحد منا ثلاثة من الغنم ‏"‏ أعني زيادة على ما كانوا يأخذونه قبل ذلك برأس واحد‏.‏

وكان وقع في تلك المدة هذا القول وسكت عنه فتوقف السلطان في الزيادة ثم أذعن بعد أمور واستمر ذلك إلى يومنا هذا‏.‏

وفي يوم الاثنين سابع عشرين ذي القعدة استقر القاضي صلاح الدين أمير حاج بن بركوت المكيني في حسبة القاهرة بعد عزل يارعلي الخراساني العجمي الطويل بمال كثير بذله صلاح الدين في ذلك‏.‏

وفي أوائل ذي الحجة ورد الخبر على السلطان من جهة مكة أنه وقع في الحاج عطشة فيما بين منزلة أكرة والوجه ومات بالعطش خلائق كثيرة‏.‏

وفي يوم الجمعة سادس عشر ذي الحجة الموافق لثامن هاتور لبس السلطان القماش الصوف الملون المعتد لأيام الشتاء وألبس الأمراء على العادة‏.‏

وفي يوم الاثنين تاسع عشر ذي الحجة المذكور وصلت الأمراء المتوجهون إلى بلاد الجرون ببر التركية ومقدمهم الأمير يشبك الفقيه ورفقته المقدم ذكرهم عند سفرهم وخلع السلطان عليهم‏.‏

وفي يوم الخميس ثاني عشرينه وصل مبشر الحاج دمرداش الطويل الخاصكي بعد ما قاسى شدائد من العرب قطاع الطريق فضايقوه وأخذوا منه عدة رواحل وغيرها ثم أخبر دمرداش المذكور بسلامة ابن السلطان ووالدته وإخوته فدقت البشائر لذلك ثلاثة أيام بالديار المصرية‏.‏

وفي يوم الاثنين سادس عشرين ذي الحجة المذكور أخرج السلطان إقطاع الأمير طوخ من تمراز الناصري المعروف ببني بازق أمير مجلس لمرض تمادى به مدة طويلة وأنعم بإقطاع المذكور على الأمير برسباي البجاسي حاجب الحجاب وأنعم بإقطاع برسباي البجاسي المذكور على الأمير بيبرس الأشرفي خال الملك العزيز يوسف بالحجاز وكلاهما تقدمة ألف غير أن الواحد يزيد عن الآخر في الخراج لا غير وأنعم بإقطاع بيبرس على ولده الصغير محمد وهو في الحجاز أيضًا وهذا أيضًا تقدمة ألف مضافًا لما كان بيده قبل من الإقطاعات‏.‏

ثم في يوم الخميس تاسع عشرينه استقر الأمير جرباش المحمدي الأمير آخور الكبير أمير مجلس عوضًا عن طوخ المقدم ذكره بحكم مرضه واستقر عوضه في الأمير آخورية يونس العلائي أحد مقدمي الألوف‏.‏

وفي هذه السنة كان فراغ الربع والحمامين اللذين بناهما السلطان الملك الأشرف إينال هذا بخط بين القصرين‏.‏

وفرغت هذه السنة وقد انحل أمر حكام الديار المصرية أرباب الشرع الشريف والسياسة أيضًا لعظم شوكة المماليك الأجلاب وصار من له حق عند كائن من كان من الناس قصد مملوكًا من المماليك الأجلاب في تخليص حقه فما هو إلا أن أعلم ذلك المملوك بقصده خلص من غريمه في الحال فإن هؤلاء المماليك صاروا في أبواب أعيانهم شكل رأس نوبة ونقباء ولبعضهم دوادار فيرسل خلف ذلك الرجل المطلوب ويأمره بإعطاء حق ذلك المدعي حقًا كان أو باطلًا بعد أن يهدده بالضرب والنكال فأن أجاب وإلا ضرب في الحال ونكل به‏.‏

وعلم بذلك كل أحد فصار كل أحد يستعين بهم في قضاء حوائجه وترك الناس الحكام فقوي أمر الأجلاب وضعفت شوكة الحكام وتلاشى أمرهم إلى الغاية والنهاية‏.‏

وفي هذه السنة كانت زلزلة عظيمة بمدينة أرزنكان هدمت معظمها‏.‏

وفي هذه السنة أيضًا كان بالشرق فتن كبيرة بين جهان شاه بن قرا يوسف وبين أولاد باي سنقر بن شاه رخ بن تيمورلنك أصحاب ممالك العجم‏.‏

ثم استهلت سنة اثنتين وستين وثمانمائة‏.‏

ففي يوم الاثنين ثالث محرم من السنة المذكورة أنعم السلطان على قايتباي المحمودي الظاهري الدوادار بإمرة عشرة وعين السلطان الأمير جانبك الإسماعيلي المؤيدي المعروف بكوهية أن يتوجه إلى حلب وعلى يده تشريف تغري بردي بن يونس حاجب حلب بنيابة ملطية وتشريف جانبك الجكمي نائب ملطية إلى حجوبية حلب كل منهما عن الآخر وذلك لكلام وقع بين تغري بردي هذا وبين الأمير جانم الأشرفي نائب حلب‏.‏

ثم في يوم الاثنين رابع عشرين المحرم وصل أمير حاج المحمل بالمحمل إلى القاهرة وهو المقام الشهابي أحمد ابن السلطان وصحبته والدته وإخوته وطلع إلى القلعة ومعه أخوه محمد وبين يديهما وجوه الدولة وخلع السلطان عليه وعلى أخيه محمد المذكور وكانت خلعة المقام الشهابي أطلسين متمرًا وعلى إلاطلسين فوقاني حرير برجهين بطرز زركش‏.‏

ثم خلع السلطان على من له عادة بلبس الخلع في عود الحاج إلى الديار المصرية‏.‏

ثم في يوم الاثنين سادس عشر صفر وصل الأمير أزبك من ططخ الظاهري الخازندار كان من القدس الشريف بطلب من السلطان وطلع إلى القلعة وخلع السلطان عليه سلاريًا من ملابيسه بفرو سنجاب ووعده بكل خير ثم رسم له بالمشي في الخدمة السلطانية بعد أيام‏.‏

وفي أول شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وستين المذكورة نودي من قبل السلطان على الذهب بأن يكون سعر الدينار الذهب بثلاثمائة درهم نقرة بعدما كان وصل سعر الدينار لأربعمائة وستين درهمًا الدينار وأن يكون سعر الفضة المغشوشة كل درهم بستة عشر درهمًا وأن يكون سعر الدرهم من الفضة الطيبة التي رسم السلطان بضربها بدار الضرب بأربعة وعشرين درهم نقرة وحكم السلطان بذلك ونفذ حكمه القضاة وسر الناس بهذا الأمر غاية السرور فإنه كان حصل بتلك الفضة المغشوشة غاية الضرر في المعاملات وغيرها‏.‏

غير أنه ذهب للناس بهذا النقص في سعر الفضة المغشوشة مال كثير وصار كل أحد يخسر ثلث ما كان معه من المال من هذه الفضة المذكورة فانحصر كل من كان عنده من هذه الفضة لوقوع النقص في ماله فرسم السلطان في اليوم المذكور بالمناداة ننقص ثلث ثمن جميع البضائع في المأكول والملبوس كما نقص سعر الدرهم الثلث وكذلك في نقص الذهب فهان عند ذلك على الناس ما وقع من خسارة الذهب والفضة بهذه المناداة الثانية التي هي بنقص ثلث أثمان جميع الأشياء وقال كل واحد في نفسه‏:‏ ‏"‏ كما نقص من مالي الثلث نقص من ثمن ما كنت أبتاعه الثلث ‏"‏ فكأنه لم ينقص له شيء‏.‏

ثم في يوم الخميس سابع عشره عمل السلطان المولد النبوي بالحوش من القلعة على العادة في كل سنة‏.‏

ثم في يوم الأربعاء ثامن شهر ربيع الآخر أنعم السلطان على الأمير أزبك من ططخ الظاهري المقدم ذكره بإمرة عشرة عوضًا عن الأمير جانم الأشرفي البهلوان بحكم وفاته كما سيأتي ذكر وفاته ووفاة غيره في ذكر الوفيات بعد فراغ الترجدة على عادة هذا الكتاب‏.‏

وفي يوم الاثنين ثالث عشر شهر ربيع الآخر المذكور وجد السلطان نشاطًا في نفسه من مرض كان حصل له أيامًا وخرج إلى قاعة الدهيشة ودقت البشائر لذلك بقلعة الجبل وغيرها ثلاثة أيام‏.‏

ثم في يوم الأحد سادس عشرين ربيع الآخر مات الأمير سودون السلحدار نائب قلعة الجبل فأنعم السلطان من إقطاعه بنصف قرية كوم أشفين على شريكه الأمير يشبك الفقيه المؤيدي ليكون من جملة أمراء الطبلخانات وأنعم بباقي إقطاع سودون المذكور على الأمير أرغون شاه الأشرفي ليكون من جملة أمراء العشرات وأنعم بإقطاع أرغون شاه المذكور على شريكه الأمير تنبك الأشرفي ليكون تنبك أيضًا أمير عشرة واستقر كسباي المؤيدي السمين نائب قلعة الجبل عوضًا عن سودون المذكور على إمرة عشرة ضعيفة واستقر الأمير جانبك الإسماعيلي المؤيدي المعروف بكوهية هن جملة رؤوس النوب عوضًا عن كسباي المقدم ذكره ولبسا الخلع بعد ذلك بأيام‏.‏

ثم في سلخ شهر ربيع الآخر المذكور خلع السلطان على الأمير برسباي البجاسي حاجب الحجاب باستقراره أمير حاج المحمل‏.‏

وفيه خلع السلطان على الحكماء لعافيته من مرضه وحضر السلطان موكب القصر مع الأمراء والخاصكية على العادة‏.‏

ثم في يوم الاثنين رابع جمادى الأولى استقر الطواشي مرجان الحصكفي مقدم المماليك السلطانية أمير حاج الركب الأول فحصل بتولية مرجان هذا إمرة الحاج الأول على أهل مكة ما لا خير فيه لأنه كان في نفسه وضيعًا لم تشمله تربية مرب لأنه نشأ ببلاد الحصن وخرج منها على هيئه المكدين من فقراء العجم ودار البلاد على تلك الهيئة سنين كثيرة إلى أن اتصل بخدمة جماعة كثيرة من الأمراء ثم آل أمره إلى بيت السلطان وغلط الدهر بولايته النيابة ثم التقدمة ثم بولايته إمرة الركب الأول في هذه السنة فلما سافر أخذ معه جماعة كبيرة من إنياته المماليك الأجلاب ففعلوا في أهل مكة أفعإلا ما تفعلها الخوارج من الظلم وأخذ أموال الناس له ولأنفسهم كما سيأتي ذكر ذلك عند عوده من الحج إن شاء الله تعالى‏.‏

وفي يوم الخميس سابع جمادى الأولى استقر شمس الدين منصور بن الصلي ناظر ديوان المفرد‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ثاني عشره ركب السلطان الملك الأشرف إينال من قلعة الجبل باكر النهار في أمرائه وأرباب دولته وشق خط الصليبية بغير قماش الموكب وتوجه إلى ساحل بولاق ودام سيره بساحل بولاق إلى أن وصل إلى مدرسة السعدي إبراهيم بن الجيعان التي أنشأها على النيل ورأى ما أنشىء بالجزيرة وساحل بولاق من العمائر والبيوت ثم عاد إلى جهة القاهرة ومر من الشارع الأعظم إلى أن خرج من باب زويلة وطلع إلى القلعة وقد غضب مما رأى من العمائر بساحل بولاق في طريق المسلمين‏.‏

وأصبح من الغد في يوم الأربعاء أمر بالمناداة بأن أحدًا من الناس لا يعمر عمارة بجزيرة أروى المعروفة بالوسطى ولا بساحل بولاق لما رأى من ضيق الطريق من كثرة العمائر وإلاخصاص وأمر أيضًا بهدم أماكن كثيرة فهدمت في اليوم المذكور‏.‏

واستمر والي القاهرة بعد ذلك في الهدم أيامًا كثيرة‏.‏

وأما إلاخصاص والدكاكين التي بالطريق فهدمت عن آخرها‏.‏

وكلم السلطان في الكف عن ذلك جماعة كثيرة فلم يسمع لأحد واستمر على ما رسم به من هدم إلاماكن المذكورة‏.‏

قلت‏:‏ لا بأس بهذه الفعلة لأن كل أحد له في الساحل حق كحق غيره فلا يجوز استقلال أحد به دون غيره‏.‏